mercredi 16 septembre 2015

لماذا يكتب أمين الزواي

صورة ‏‎Hanan Katrib‎‏.
أمين الزاوي، كاتب وروائي وأكاديمي جزائري، ولد في 25 نوفمبر 1956، في بلدة مسيردة بولاية تلمسان حيث أكمل دراسته الابتدائية والاعدادية. حصل على شهادة الليسانس من معهد اللغة والأدب العربي في جامعة وهران مما أهله للالتحاق بجامعة دمشق لينال شهادة الدكتوراه في الأدب عن أطروحته حول موضوع: (صورة المثقف في رواية المغرب العربي). تولى الزاوي عدة مناصب، من أستاذ الأدب المغاربي والترجمة بكلية الآداب بجامعة وهران، ثم مدير قصر الثقافة بوهران، ليتوج مديرا عاما للمكتبة الوطنية، ويشتغل حاليا أستاذا بجامعة الجزائر المركزية في مادة الأدب المقارن، كما يشرف على مجموعة من طلبة الماجستير والدكتوراه.
له عدة روايات باللغة العربية منها: و يجيء الموج إمتدادا، كيف عبر طائر فينيقس البحر المتوسط، التراس، صهيل الجسد، السماء الثامنة، الرعشة، رائحة الأنثى، يصحو الحرير،وليمة الأكاذيب،شارع إبليس، حادي التيوس أو فتنة النفوس. و له روايات أخرى كتبها أصلا باللغة الفرنسية من أهمها: إغفاءة ميموزا، الخضوع، الغزوة، حرس النساء، ناس العطور، ثقافة الدم (دراسة)، غرفة العذراء المدنسة، يهودي تمنطيط الأخير.
……….

حاورته: بشرى الهلالي
يكتب باللغتين العربية والفرنسية، وفي كلتيهما، يحدث قارئه بنفس الاسلوب، فهو لايكتب رواية فقط، وانما “تجئ أفكاره كالموج امتدادا” لتحلق في سماء الحرية التي يعشق “كما يعبر طائر الفينيق البحر المتوسط”. اقتحم المحظور، فكان اول من ولج “شارع ابليس” متحديا كل الاساليب والافكار القديمة، ومؤسسا لمدرسة جديدة في الرواية الجزائرية. عاصر التقلبات السياسية التي خيمت على أجواء بلده، وشهد زحف الفكر المتطرف، فكان في صدارة من تصدوا له، واضعا نصب عينه الانسان قيمة عليا، فكانت رواياته بانوراما لشخصيات يندر حضورها في الرواية العربية، واستحقت بجدارة صفة (العالمية). تمت ترجمتها الى اكثر من عشر لغات منها الصينية، الاسبانية، الانكليزية والإيطالية والصربية والتشيكية وحتى الإيرانية، ليكسر أمين الزاوي بذلك حواجز الجغرافية واللغة، مصحبا قارئه الى (السماء الثامنة).
لم تنفع (حفرياتي) كما اسماها، في حواري معه، فرغم اني حاولت ان أكثف الاسئلة، الا ان ماقاله لم يكن الا قطرة في بحر، فالحوار مع المفكر، الروائي، الكاتب، و الاكاديمي، د. أمين الزاوي يشعرك دائما، بأن مايقوله هو ليس الا مجرد بداية لحوارات لاتنتهي. مع روايته (نزهة الخاطر) وفلسفته في الكتابة، كانت البداية..
* في مستهل (نزهة الخاطر) قلت “مع ذلك قررت أن أحكي لكم ذلك النصف من الحياة الذي لم أعشه”، وختمت (وليمة الاكاذيب) بالقول “لكن لماذا احكي لكم كل هذا”؟ هل هو السؤال الازلي لماذا يكتب الكاتب، ولمن، وأين د. أمين الزاوي من هذا السؤال؟
أمين الزاوي: الكتابة فن الكذب الصادق !! أكتب لأنني أريد أن أعيش الحياة مضاعفة، أن أعيش اللحظة بأضعافها أن أرى الصورة من كل الجهات، الكتابة الروائية بالنسبة لي تقوم على الفلسفة التالية: الرواية التي تقول ما يعرفه القارئ هي رواية تولد ميتة، الرواية التي تقول ما يستطيع أو ما يجرؤ القارئ على قوله هي نص يولد ميتا، الرواية هي خارج المتوقع، هي قول ما لا يستطيع قوله القارئ، ما لا يعرفه القارئ. أكتب الرواية كي أثير حالة من “التشويش” ضد إيمانات القارئ، مشروعي الروائي هو مناهضة الإيمان الساذج، هو دفاع عن القلق و عن السؤال المستمر لمناهضة الكسل.
* تأريخيا، كسر رشيد بوجدرة في الستينات (التابو) او الثلاثي المحرّم: الدين، والجنس والسّياسة، تبعه الطاهر وطار.. فيما تلا ذلك وخلال التسعينات، اتخذ روائيو الجزائر التطرف ثيمة لموضوعاتهم، ليأتي امين الزاوي ويكسر المحظور في زمن التطرف، فاطلق عليه لقب (محطم التابوهات)، هل كنت رائدا أم فدائيا في اعادة رسم نهج الرواية الجزائرية، ام هو (الابداع) يفرض لغته عليك؟
أمين الزاوي: أختلف كثيرا مع رؤية الطاهر وطار للكتابة، فأنا أعتقد أن وطار كاتب سياسي، رواياته جميعها كانت مؤقتة على وضعيات تاريخية أو أحداث تاريخية محلية جزائرية، مع احترامي الكبير لمجهوده التأسيسي في الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، أما رشيد بوجدرة فقد بدأ كاتبا مثيرا للجدل ، مكسرا ، مجنونا، لكني شعرت بأنه تعب أو دجن في السنوات الأخيرة و أصبحت جرعة الجرأة لديه باردة جدا، مع ذلك أقول بأن رشيد بوجدرة لم يأخذ حقه في الرواية المكتوبة بالفرنسية. أنا أنتمي إلى جيل الاستقلال، متخلص من عقدة اللغة و من عقدة التاريخ، متصالح مع الآخر دون أحكام مسبقة، أكتب في انسجام مع العالم، انسجام لا يحمل من التوتر إلا ذلك التوتر الذي أشترك فيه مع جميع الروائيين في كل اللغات و في جميع الجغرافيات، توتر الكتابة أمام قلق سبب التوحش الديني الذي يهدد الإنسان، يعتبر النقاد و القراء مشروعي الروائي هو مشروع الدفاع عن الحرية الفردية، على خلاف الجيل الأول الذي كان دفاعه مركزا على الحرية الجماعية، أي الحرية الاستقلالية بمفهومها السياسي الوطني الضيق، أنا أنتمي إلى جيل من الكتاب الروائيين الذين يواجهون مشكلات أخرى، مشكلة التوحش الديني الذي أكل الأخضر و اليابس، التوحش الديني الإسلاموي أخطر من أي وباء تعرض له أو قد يتعرض له الإنسان على هذه الكرة الأرضية. مشروعي الروائي الذي بدأته منذ أن نشرت أولى رواياتي “صهيل الجسد” العام 1985 و التي تم منعها و مصادرتها في العالم العربي و سجن الناشر على إثر نشرها و شمعت دار النشر بدمشق، هو الحفر في الممنوع الديني و السياسي و الجنسي، و هي الممنوعات التي جعلت من الإنسان العربي وحشا في قفص. ما يمارسه الإنسان العربي تجاه المرأة، خاصة تجاه جسد المرأة، هو توحش حضاري بامتياز، كل ذلك باسم الدين و باسم الأخلاق المنافقة التي ورثها من عصور الاستبداد و عصور النخاسة، التي عادت اليوم باسم الدين و تحت راية الدين السياسي.
* حصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب عن أطروحة بعنوان: (صورة المثقف في رواية المغرب العربي). هل تشغلك صورة المثقف العربي في الوقت الراهن؟ وكيف تراها في ظل تسارع الاحداث والمتغيرات؟
أمين الزاوي: المثقف كما أراه هو الجندي على جبهة النقد، لا مثقف بدون حس نقدي، نقد ينطلق بطبيعة الحال من المتن المعرفي و من الإبداع. للأسف في العالم العربي، يختلط “النقد” الذي يقدمه المثقف، و المؤسس على سلطة المعرفة و الفكر، و “المعارضة” التي يمارسها السياسي المؤسسة على “الانتهازية و التكتيك الموسمي”. و المستفيد من هذا الخلط هي الأنظمة الاستبدادية التي تريد أن تجعل نفسها منزهة عن كل خطأ، من هنا فنقد المثقف أو معارضة السياسي في رأيها شيء واحد، لهذا نشعر بتهميش المثقف من قبل أحزاب المعارضة لأنها تعتقد بأنها تقوم بعمله دون وجوده، و ترفضه الأنظمة لأنها تعتقد بأن نقده هو انقلاب عليها.
المثقف العربي بكاء، شكاء، و هي الحالة المرضية التي تفهمها الأنظمة بشكل جيد، و بالتالي بمجرد أن يكثر الشكاء البكاء من النحيب تعطيه “كيس” “دنانير” فيبلع لسانه، يعطيه للقط (كما نقول في التعبير الفرنسي).
* بينما تتحدث عن تبنيك للحداثة، تنهل معظم رواياتك من التراث، حتى يشعر من يقرأها بأنه يشم رائحة البخور في (الف ليلة وليلة). بل إن عناوين رواياتك تحاكي (طوق الحمامة) وتحوم حول روح الجاحظ، وتغوص في عشق ابن الرومي، في الوقت الذي يتطرف الكتّاب في اختيار العناوين الغريبة في سعيهم للحداثة، فما هو مفهوم الحداثة للدكتور الزاوي؟
أمين الزاوي: أنا أقرب إلى الجاحظ منه إلى هنري ميللر، أنا أقرب إلى السيوطي منه إلى جورج بطاي، أنا أقرب إلى النفزاوي منه إلى جون جونيه، أنا أقرب إلى أبي نواس منه إلى رامبو… أعتقد بأن مأساة الثقافة العربية الحداثية هي أنها سلمت هذا الإرث الكبير من التنوير و التقدم و الجرأة الفكرية و الموضوعاتية، سلمته إلى الفقهاء السلفيين المتحجرين، تراثنا التنويري أعدمه الفقهاء المعاصرون، الخوف في الثقافة العربية هو خوفان: خوف من الثقافة العربية التراثية الجريئة في الفلسفة و الشعر و اللغة و الدين و الجنس من جهة و خوف من ثقافة الآخر الانسانية التي هي اتصال و تواصل مع ثقافة التنوير العربية الإسلامية. لقد جفف الفقهاء الثقافة العربية من كل نور و من كل متعة و أوصلوا بها إلى باب الممنوع و الحرام و قطع اليد و قطع الرقبة.
* قلت مرة “اكتب على سمفونية امي”.. فما هي طقوس الكتابة لأمين الزاوي؟
أمين الزاوي: الأم و الطفولة مركزيان أساسيان في الكتابة، أمي رحمها الله كانت امرأة جميلة تثير غيرة جميع النساء من حولها، تغني بشكل استثنائي و ترقص برقة الطير، منها تعلمت حضارة التعامل مع الآخر، فن الحياة، تعلمت فن الحياة قبل فن الكتابة، كانت مدرستي في الرقة و كانت مكتبتي في الثقافة الشعبية و الفن. حتى اليوم حين أكتب لا زلت أسمع صوتها و هي تحدثني أو تغني أو تدندن أو أراها في مخيلتي ترقص كالحمامة، و الناس من حولها يصفقون، كانت امرأة خجولة و لها في ذلك سر عظيم، أكتب بالفرنسية أو بالعربية فأجدها في رأسي هي من توقع موسيقى النص، الرواية بالنسبة لي ، قبل أن تكون كتابة و لغة هي عبارة عن إيقاع موسيقي في رأسي، أدندن الرواية كما يدندن الموسيقار مقطوعته قبل أن يكتبها أو يعزفها.
* حدث بأن بعض القراء أحرقوا كتابك (السماء الثامنة) امام المكتبة، وعلق بعض القراء بأن (حادي التيوس) ليست اكثر من هوس كاتب بالجنس، بينما أخذ عليك البعض الغوص في العلاقات المحرمة، فهل ترى ان القارئ العربي لم يصل بعد الى مستوى فلسفة د. أمين الزاوي، أن انك تتحدى ماأسميته ب (ثقافة القطيع)؟
أمين الزاوي: رواية (حادي التيوس) أعتبرها من أجمل ما كتبت في مسألة الدين، هي رواية تتناول “خلفيات اعتناق الأوروبيات للإسلام”، ما وراء هذا الاعتناق، السياسة، الأمن، الحضارة، الجنس، و أعتقد أن هذه الرواية التي ستصدر باللغة الفرنسية قريبا سيكون لها شأن في النقد الفرنسي باعتبارها الرواية العربية الأولى التي تتعرض لهذه المشكلة. أما رواية (السماء الثامنة) فبالفعل تعرضت للحرق من قبل القارئ في الجزائر و منعت في كثير من معارض الكتب العربية، و أعتقد أنها أول نص روائي يعاني من القارئ، و أنا أخاف من القارئ المعرب أكثر ما أخاف من مؤسسات الدولة القمعية، قمع القارئ قمع غوغائي دون رادع، و هو دعوة لمصادرة القول و مصادرة الحياة أيضا، و لعل الأنظمة الاستبدادية تستفيد من توحش القارئ المعرب تجاه النصوص 

النقدية الجريئة و تجعلها حجة لتكميم الأفواه و أيضا للحد من الحريات باسم “الخوف من الفوضى”.

مواضيع ذات صلة

لماذا يكتب أمين الزواي
4/ 5
Oleh

إشترك بنشرة المواضيع

.اشترك وكن أول من يعرف بمستجدات المواضيع المطروحة