samedi 27 février 2016

نص ل أيمن مارديني












– سوف أعود الى سورية في السر.
كلمات قليلة ألقيت بها في وجه حبيبتي صباحاً، و نحن نتناول القهوة .
كان صباحاً، و لكنه الليل من خيم علينا سحابة كالحة، سوداء، و متخمة بالصور و الفيديوهات المنتشرة على الصفحات، و القنوات التلفزيونية .
كان القرار صعباً، و لم تتحمل وطأته كما ابنتي، و ابني الذي لن يفهم سواد القرار.
لم يكن الاشتياق ما دفعني اليه، فأنا كنت على يقين أنني لن أرى ما أعرفه عن دمشق، و غادر معي منذ حوالي ثلاث سنوات .
و أيضاً رائحة الياسمين التي تغنى بها الشعراء، فهي قد غادرت أنوفنا قبل عقد، و أحتفظنا به عقداً في مجالس الغربة فقط .
هو، وربما الشعور بالذنب و ساديته التي أصبحنا نلتذ بها كل ليلة في خلواتنا السرية و المعلنة.
و لكن هو لساني من نطق، و كان أسبق في قراري مني !
أجل …..
كان لوقع الكلمات على أذني دوي هائل، و كأنني أسمعها أول مرة، و لم أفكر بها قبلاً 
– و ماذا عن أولادك، وأنا، و حياتنا، و ……
و سقطت في بحر البكاء، و لم يكن له شاطيء ترسو عليه عتمة صور الغد.
لم أفكر بكم، كانت أنانيتي هناك، في دمشق .
و فقط هناك.
أجل...
هكذا كان لسان حلمي ينطق.
– و ماذا عنكم ؟
- وترى ما حالكم ان توفيت هنا مثلاً و بجانبكم، أو في الغرفة المجاورة ؟!
– أيمن …. و تذكر سفرك السنة الماضية لرحلة عمل و لمدة شهر، و شهر واحد فقط ، كان أولادك في هيستيريا، و فقدان، و شوق لم أستطع تحمله وحدي... أرجوك ...فكر ثانية... حاول... أعلم مدى اشتياقك، و لكن …..
– هو ليس الاشتياق.
– لموقف تقوم به لا يناقض ما تقوله؟
– و أيضاً ليس هذا وحده، فأنا عندما كنت أقول، كان قولي ليس الا ما أراه مناسباً، و اتقنه، و ان كان بسيطاً أمام الأخرين ….لا … ليس هذا فقط ما قصدته .
– أولادك ... حياتنا ... مستقبلهم؟
– أعلم أن رحلة الذهاب ليست كما العودة، لربما ينتظرني مصير كصديقي عمر، أو أيام في المعتقل كرفيقي زياد، أو حتى مجهول كوسيم و الذي لا نعلم عنه شيئاً و الى الآن، و لكني أيضاً أريد أن أذهب ... لا مفر حبيبتي... البحر من ورائي أغلقت أبوابه، و دمشق تناديني كجنية الحلم. هو سحرها الذي لا يقاوم ، و ضعيف أنا أمامه.
– اذن لن تذهب …. وحدك ….. نحن عائلة واحدة ، و طالما كنا كذلك ، ومصيرنا واحد أيضاً، و قرارك مناسب، و لكن ليس لك فقط .
سنذهب جميعنا، و ما ينتظرك أيضاً ينتظرنا .
الانتظار واحد دائماً، و ان اختلف صوته من أحد الى آخر .
و أليست كلماتك ما أقوله أنا الآن !؟
– هيا ... احزمي الأمتعة ... هيا بنا، و لكن لا تنسي أحلامنا أن تحزميها، و هدايا الغد، و ضوء شباك غرفة أولادنا، و عصافيره التي توقظهم كل صباح .
– لا ... لن أنسى الكلمات أيضاً التي طالما تفوهنا بها في مجلس أصدقائنا في غرفة الجلوس تلك، و دموع ذكرياتنا أمام شاشات التلفاز عند رؤيتنا لدمشق تتهدم، و تكاد أن تصبح بائدة .
– و ماذا عن جمال أطفالي، و شقرتهم التي ورثوها عني، و كحل عيونهم الذي زرعته فيهم... ماذا لو غادرهم في تشويه اليوم و اللحظة، العتم، المصير الذي تعيشه دمشق الآن؟
– هي لهم، و نحن من أتينا بها لهم، و ليست حقاً لهم . هي ورث من الممكن أن يبغضوها يوماً لسبب ما، و ليست اختياراً حراً منهم لهم.
– ماذا لو ………
– يكفي أيمن … يكفي ، و الا سأعود في قراري.
و تضحكين، و أضحك، و تغادر نظراتك الى الجهة الأخرى تخفين فيها دمعة تسللت خلسة .
حارة، حارقة، تكوي خدي كانت دمعتك، و لا أقوى على مد كفي لأمسحها عني، و لكني أمدها لأدير رأسك تجاهي، و ألعق دمعتك .
الدمعة كانت سكراً، و حلوى، و أرجوحة طفولتي أيضا.ً
– أحبك ... جداً، و تعلمين، و أخاف عليك، و لا تعلمين .
– أعلم جيداً، و أخاف على أطفالي الذين لم يغادروا رحمي الى الآن، و ان بلغوا من الطفولة لعباً و لهواً بريئاً. و تعلم أنت ذلك أيضاً.
– و هل سنندم على القرار الذي اتخذناه يوماً، أو ساعة، أو تحت الشهقة الأخيرة لنا تحت تعذيب سوط الوطن، أو من هم على انعكاس صورته .
– و ان كان، نحن من قررنا، و نحن من فعلنا، و هذا حقنا كبشر، و ان ضعفنا كماتقول و أعلم أنه سيحدث، الا أنه أيضاً بشري جداً، و لا مانع من الندم ، فهو سمة القوة أمام جبروت الواقع لنحيا .
– هيا بنا .
– هيا…..
– و لكن ماذا عن أصدقائنا هنا، علينا أن نخبرهم، و نعلمهم بما ….
– لا … دعينا نعلمهم بأنفسنا ان عدنا، أو يروا بأنفسهم فعلاً سنقوم به لغد، ربما أفضل .
– توقف … خطر لي أنه ربما ان مكثنا هنا، أن يأتي يوم، و نكون نحن من يبني الغد لدمشق، و ……
– أجل، و لكن صفحات التاريخ تقول ما من حضارة تباد لها أن تعود بيد من كان فاراً من ظلمات ليلها .
ان كنا نظن أننا نور، علينا أن نزرع ذرات ضوئنا لمن حولنا، و ننكر أدوات الأسئلة .
هيا بنا .
– هيا... بنا، و لكن …..
و يتناهى الينا صوت بكاء.
أنظر اليها، و أهمس، و أليس سامي من يبكي ؟
– أجل …في نومه.
و نقوم من مجلسنا، و القهوة، و كلامنا، بعد أن تمتد يدي الى ذراعها، و أقول
– هيا بنا .
و نغادر الغرفة، و نترك الباب خلفنا موارباً.

أيمن مارديني
2013

مواضيع ذات صلة

نص ل أيمن مارديني
4/ 5
Oleh

إشترك بنشرة المواضيع

.اشترك وكن أول من يعرف بمستجدات المواضيع المطروحة